*** خامسا : ***سفر الحكمة سليمان الحكيم ***
يأخذ هذا السفر مكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان الحكيم.
وهو مكون من 19 أصحاحا كلها تفيض بأحاديث حكيمة عميقة المعانى الروحانية.
وقد ورد هذا السفر ضمن أسفار التوراة فى النسخة السبعينية المترجمة إلى اليونانية.
وبرغم اعتراض البروتستانت على قانونية هذا السفر وباقى اسفار المجموعة الثانية التى جمعت بعد عزرا الكاهن، ولكنهم كتبوا يمتدحونة بسبب بلاغتة وسمو معانية.
فقد ورد على لسان الدكتور سمعان كهلون فى كتابه (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين - طبعة بيروت 1937 ص303 و305) قوله:
"والبعض الآخر كسفر الحكمة وحكمة يشوع بن سيراخ، فهو على جانب عظيم من البلاغة وعمق المعانى الروحية".
وكذا قوله أيضاً على سفر الحكمة "هذا السفر هو أجمل هذه الأسفار.
وقد كُتِبَ بأسلوب يدل على تضلع تام من اللغة اليونانية.
ويرجح أن كاتبه يهودى مصرى عاش بين عامى 15 و50 قبل الميلاد وكان متضلعاً من الفلسفة اليونانية.
وقصد مقاومة أغلاظ الوثنية ولاسيما عبادة الأصنام بإظهاره سمو الحكمة المنبعثة عن خوف الله وحفظ شريعتة ومعرفة طريقة للخلاص".
وفى الجيل الرابع
ذكر إيرونيموس أن بعض المؤمنين المسيحيين شكوا فى صحة مجموعة الاسفار القانونية الثانية التى هى طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروخ والمكابيين الأول والثانى وتتمة كل من إستير ودانيال.
غير أنه واضح من كتابات إيرونيموس أن هذا ليس رأيه الشخصى بل رأى هذا البعض دون غيره.
ولهذا فقد ورد فى مقدمته التى كتبها على أسفار سليمان قوله عن سفري الحكمة ويشوع بن سيراخ "يحسُن بالكنيسة أن تتلوا هذين السفرين"، هذا فضلا عن إن إيرونيموس اقتبس من هذا السفر فى بعض كتاباته.
ومن أمثلة ذلك ما كتبه "إن الحكمة لا تَلِج النفس الساعية بالمكر ولا تحِل فى الجسد المسترق، كما جاء فى الكتاب". فإذا اعتبرنا أن العبارة السابقة التى كتبها موجودة بنصها فى سفر الحكمة (حك1: 4)، فهو إذا يعترف بسفر الحكمة باعتبارة سفر كتابى موحى به.
ولقد انقسمت الآراء حول شخصية كاتب هذا السفر.
فقال بعضهم
إنه يونانى أو أنه يهودي مصري لم يكن يعرف غير اللغة اليونانية.
وحجتهم فى هذا
أن النسخة الموجودة من السفر مكتوبة باليونانية بأسلوب فلسفي فصيح مشهود له بالبلاغة وطلاوة العبارة.
ولعلهم نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية الى اليونانية فى النسخة السبعينية المعروفة،
غير أنه واضح أن كاتب السفر هو سليمان الملك ودليل ذلك الآتي:
1- إن أسلوب السفر يتخذ نفس النهج الحكمي الذى كتب به سليمان كتاباته من حيث البلاغة وعمق المعنى والاتجاة الحكمى الشعري.
2- إن ترتيب السفر يتفق وكتابات سليمان، فمكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان مباشرة.
3- وثمة دليل آخر على سليمان هو كاتب سفر الحكمة وهو ما ورد في السفر على لسان كاتبه منطبقاً على سليمان قوله:
"إنك قد اخترتني لشعبك ملكاً ولبنيك وبناتك قاضياً. وأمرتنى أن أبنى هيكلاً فى جبل قدسك ومذبحاً فى مدينة سُكناك، على مثال المسكن المقدس الذى هيأته منذ البدء.
إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم، وهي عارفة ما المرضى فى عينيك والمستقيم فى وصاياك.
فإرسلها من السموات المقدسة وابعثها من عرش مجدك حتى إذا حضرت تَجِدُّ معي، واعلم ما المرضي لديك؛ فانها تعلم وتفهم كل شيء، فتكون لي في افعالي مرشداً فطيناً، وبعزَّها تحفظني، فتغدو اعمالي مقبولة وأحكم لشعبك بالعدل واكون اهلاً لعرش أبي" (حك7:9-12). وواضِح أن هذا الكلام كله لا يناسِب إلا سليمان وحده دون غيره.
وتبرز هنا مشكلة يثيرها المُعترضون بقولهم:
إذا كان سُليمان هو الذي كتب هذا السِّفر، فلماذا لم يتسنّى لعِزرا الذي جمع شتات أسفار التوراه أن يعثر عليه ويضعه في موضِعه ضمن الأسفار التي جمعها؟
والرد على هذا الإعتراض هو
أن كِتابات سليمان فُقِدَ منها الكثير.
فقد ذُكِرَ في سفر الملوك الأول أن الله أعطاه "حِكمة وفهماً كثيراً وحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل29:4)،
بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة الرحبة.
وقد قيل عن سليمان أيضاً أنه "تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمساً.
وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النَّابِت في الحائِط.
وتكلَّم عن البهائم وهن الطير وعن الدبيب وعن السمك.." (1مل32:4، 33)،
فأين كل هذه الأمثال والنشائد والكِتابات؟! إلا إذا كانت قد فُقِدَت.
ويكفينا أن نذكر أن مجامِع عديدة أقرَّت هذا السِّفر ضمن الأسفار الموحى بها.
فإن المجمع التريدنتيني عام 1546
ومجمع القسطنطينيّة عام 381 الذي حضره القديس أوغسطينوس،
وكذا مجمعيّ قرطاجنّة الأول والثاني 397 و419،
وكذا مجمعي الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية أعوام 1671 و1682.
وهم في هذا يعتمدون على وروده ضمن الترجمة السبعينيّة وكذا ضمن قوانين الآباء الرسل (=القانون 85).
هذا، وقد جاء في كتاب "السطروماتيون" للقديس اكليمندس الاسكندري قوله
عن هذا السفر أنه مُعتبر "كِتاباً مُقدَّساً"، كما إستشهد بنصوص هذا السفر الكثير من آباء الكنيسة في الأجيال الأولى للمسيحيّة في مقالاتهم وعظاتهم وكتبهم.
ومن أمثال هؤلاء القديس إكليمندس الرومانى (=في رسالته الأولى إلى كورنثوس - ف67)،
والقديس إكليمندس الإسكندري (=في كتابه المُرَبِّي)، حيث ذكر سِت مرّات في الفصل السادس من الكتاب،
وكذا القديس إيرنياؤس الذي نُشِرَ سفر الحكمة في أيامه،
وكذا أوسابيوس القيصري (=في كتابه تاريخ الكنيسة - الكتاب الخامس - ف26)،
والقديس ديوناسيوس الاسكندرى (=مسألة6، ف9، 10)،
والبابا اثناسيوس الرسولى (=في خطبته ضد الأمم، ف9، 4، 17)، حيث يقول عن كلام السفر أنه "قول الروح القدس"، وأنه "كلام الله"،
وكذا القديس أبيفانيوس في بعض كِتاباته،
بل أن القديس باسيليوس الذي وضع القداس الباسيلي إستشهد به في قداسه، حيث قال "والموت دخل إلى العالم بحسد إبليس" (راجع النص الأصلي في حك24:2).
هذا، ودليل صِدق هذا السفر وصِحَّته تلك الإقتباسات التي إقتبسها منه كُتّاب أسفار العهد الجديد في أسفارهم والتي نورِدها فيما يلي:
الشاهد
الآية
السفر
الشاهد
الآية
2 : 6
فتعالوا نتمتع بالطيبات الحاضرة ونبتدر منافع الوجود ما دمنا في الشبيبة
كورنثوس الأولى
15 : 32
إن كان الأموات لا يقومون فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت
2 : 13
يزعم أن عنده علم الله ويسمي نفسه ابن الله
إنجيل متى
27 : 43
قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده.لأنه قال أنا ابن الله
2 : 15
بل منظره ثقيل علينا لأن سيرته تخالف سيرة الناس وسبله تباين سبلهم.
إنجيل يوحنا
7 : 7
لا يقدر العالم أن يبغضكم ولكنه يبغضني أنا لأني اشهد عليه أن أعماله شريرة.
3 : 7
فهم في وقت افتقادهم يتلألأون
إنجيل متى
13 : 43
حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم.
3 : 8
ويدينون الأمم ويتسلطون على الشعوب ويملك ربهم على الأبد.
كورنثوس الأولى
6 : 2
ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم.
4 : 4
وان أخرجت فروعاً إلى حين فإنها لعدم رسوخها تزعزعها الريح وتقتلعها الزوبعة.
إنجيل متى
7 : 27
فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط.وكان سقوطه عظيما
6 : 4
فإن سلطتكم من الرب وقدرتكم من الله العلي.
رسالة رومية
13 : 1
لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله.
7 : 26
لأنها ضياء النور الأزلي ومرآة عمل الله التقية وصورة جودته.
العبرانيين
1 : 3
هو بهاء مجده ورسم جوهره
13 : 1 ، 5 ، 7
1 إن جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا أن يعلموا الكائن من الخيرات المنظورة ولم يتأملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها.
5 فانه بعظم جمال المبروءات يبصر فاطرها على طريق المقايسة.
7 إذ هم يبحثون عنه مترددين بين مصنوعاته فيغرهم منظرها لأن المصنوعات ذات جمال.
رسالة رومية
1 : 18 ، 21
18 لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم.
21 لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كاله بل حمقوا في أفكارهم واظلم قلبهم الغبي.
15 :7
إن الخزاف يعني بعجن الطين اللين ويصنع منه كل إناء مما نستخدمه فيصنع من الطين الواحد الآنية المستخدمة في الأعمال الطاهرة والمستخدمة في عكس ذلك وإما تخصيص كل إناء بواحدة من الخدمتين فإنما يرجع على حكم صانع الطين.
رسالة رومية
9 : 21
أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان
هذا، ويُقَسِّم علماء الكتاب المقدس سفر الحكمة إلى قسمين:
1- القسم الأول:
ويشمل الأصحاحات التسعة الأولى.
وفيها يمتدِح الكاتِب الحكمة التي تضم كافة الفضائل، ويدعو الناس، ولاسيّما الملوك والقُضاة إلى إتباعها ومُراعاة العدل وعدم الإفتخار بالغِنى والصحة والجمال والمركز،
لأن هذه كلها زائِلة وكظِل يمضي ولا يعود. ويضيف أن عاقِبة الأثَمَة هي الهلاك، أما الصدّيقون الأمناء مع الله فسينالون منه الكرامة والمجد الأبدي. وفي هذا القسم يتحدَّث أكثر من مرة عن البتوليّة وشرفها ويطوِّب الطاهرين المُتمسِّكين بعفافهم.
ولعل أهم ما ورد في هذا القسم
نبوءته عن السيد المسيح إبن الله الذي يقاومه الأشرار ويتربَّصون به.
وعنه يقول مخالفوا الناموس
"فلننظر هل أقواله حق، ولنختبِر كيف تكون عاقِبته.
فإنه إن كان الصدِّيق إبن الله، فهو ينصره وينقذه من أيدي مُقاوميه" (حك17:2، 18).
وفي الإصحاح التاسِع أيضاً يتحدَّث عن المسيح كلمة الله وحكمة الله الذي هو الأقنوم الثاني. فهو يقول موجِّهاً كلامه إلى الله الآب: "يا إله الآباء (بمعنى يا الله الآب)، يا رب الرحمة، يا صانِع الجميع بكلمتك (يقصد الإبن الكلمة)، وفاطِر الإنسان بحِكمتك لكي يسود على الخلائق التي كوَّنتها.. هَبْ لي الحِكمة الجالِسة على عرشك (يقصد المسيح الجالِس عن يمين الله كو1:3).
إن معك الحِكمة العلمية بأعمالك والتي كانت حاضِرة إذ صنعت العالم (يقصد المسيح الكلمة الأزلي الموجود منذ البدء)، وهي عارِفة ما المرضي في عينيك والمستقيم في وصاياك، فإرسلها من السموات المقدسّة" (حك1:9، 2، 4، 9، 10).
2- القسم الثاني:
ويتناول الإصحاحات العشرة الباقية.
وفيها يتحدَّث الكاتِب عن أهمية الحكمه التي شدَّدَت آدم ليتسلَّط في الأرض، والتي حفظت نوحاً من الطَّوَفان، ولوطاً من النار والكبريت، ويعقوب من بَطْش أخيه، والتي أوصلت يوسف إلى المُلك، والتي حفظت شعب الله في مصر، وعند خروجهم منها.
وضرب بعض الأمثِلة لِمَنْ أهلكتهم الحماقة، ولمَنْ عادوا الله فعاقبهم. وتحدَّث عن حمق مَنْ عبدوا النار والريح والنجوم وعن ظلال مَنْ يصنعون التماثيل للعِبادة دون الله! وخلص إلى أن الله لا يترك شعبه، بل يحفظه مهما تطاوَل عليهم أعدائهم، لأن الله يُعَظِّم شعبه، ولا يهمله بل يؤازره في كل زمان ومكان.
يأخذ هذا السفر مكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان الحكيم.
وهو مكون من 19 أصحاحا كلها تفيض بأحاديث حكيمة عميقة المعانى الروحانية.
وقد ورد هذا السفر ضمن أسفار التوراة فى النسخة السبعينية المترجمة إلى اليونانية.
وبرغم اعتراض البروتستانت على قانونية هذا السفر وباقى اسفار المجموعة الثانية التى جمعت بعد عزرا الكاهن، ولكنهم كتبوا يمتدحونة بسبب بلاغتة وسمو معانية.
فقد ورد على لسان الدكتور سمعان كهلون فى كتابه (مرشد الطالبين إلى الكتاب المقدس الثمين - طبعة بيروت 1937 ص303 و305) قوله:
"والبعض الآخر كسفر الحكمة وحكمة يشوع بن سيراخ، فهو على جانب عظيم من البلاغة وعمق المعانى الروحية".
وكذا قوله أيضاً على سفر الحكمة "هذا السفر هو أجمل هذه الأسفار.
وقد كُتِبَ بأسلوب يدل على تضلع تام من اللغة اليونانية.
ويرجح أن كاتبه يهودى مصرى عاش بين عامى 15 و50 قبل الميلاد وكان متضلعاً من الفلسفة اليونانية.
وقصد مقاومة أغلاظ الوثنية ولاسيما عبادة الأصنام بإظهاره سمو الحكمة المنبعثة عن خوف الله وحفظ شريعتة ومعرفة طريقة للخلاص".
وفى الجيل الرابع
ذكر إيرونيموس أن بعض المؤمنين المسيحيين شكوا فى صحة مجموعة الاسفار القانونية الثانية التى هى طوبيا ويهوديت والحكمة ويشوع بن سيراخ وباروخ والمكابيين الأول والثانى وتتمة كل من إستير ودانيال.
غير أنه واضح من كتابات إيرونيموس أن هذا ليس رأيه الشخصى بل رأى هذا البعض دون غيره.
ولهذا فقد ورد فى مقدمته التى كتبها على أسفار سليمان قوله عن سفري الحكمة ويشوع بن سيراخ "يحسُن بالكنيسة أن تتلوا هذين السفرين"، هذا فضلا عن إن إيرونيموس اقتبس من هذا السفر فى بعض كتاباته.
ومن أمثلة ذلك ما كتبه "إن الحكمة لا تَلِج النفس الساعية بالمكر ولا تحِل فى الجسد المسترق، كما جاء فى الكتاب". فإذا اعتبرنا أن العبارة السابقة التى كتبها موجودة بنصها فى سفر الحكمة (حك1: 4)، فهو إذا يعترف بسفر الحكمة باعتبارة سفر كتابى موحى به.
ولقد انقسمت الآراء حول شخصية كاتب هذا السفر.
فقال بعضهم
إنه يونانى أو أنه يهودي مصري لم يكن يعرف غير اللغة اليونانية.
وحجتهم فى هذا
أن النسخة الموجودة من السفر مكتوبة باليونانية بأسلوب فلسفي فصيح مشهود له بالبلاغة وطلاوة العبارة.
ولعلهم نسوا أن السفر بنسخته اليونانية مترجم ضمن باقي أسفار التوراة من العبرية الى اليونانية فى النسخة السبعينية المعروفة،
غير أنه واضح أن كاتب السفر هو سليمان الملك ودليل ذلك الآتي:
1- إن أسلوب السفر يتخذ نفس النهج الحكمي الذى كتب به سليمان كتاباته من حيث البلاغة وعمق المعنى والاتجاة الحكمى الشعري.
2- إن ترتيب السفر يتفق وكتابات سليمان، فمكانه بعد سفر نشيد الأنشاد لسليمان مباشرة.
3- وثمة دليل آخر على سليمان هو كاتب سفر الحكمة وهو ما ورد في السفر على لسان كاتبه منطبقاً على سليمان قوله:
"إنك قد اخترتني لشعبك ملكاً ولبنيك وبناتك قاضياً. وأمرتنى أن أبنى هيكلاً فى جبل قدسك ومذبحاً فى مدينة سُكناك، على مثال المسكن المقدس الذى هيأته منذ البدء.
إن معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة إذ صنعت العالم، وهي عارفة ما المرضى فى عينيك والمستقيم فى وصاياك.
فإرسلها من السموات المقدسة وابعثها من عرش مجدك حتى إذا حضرت تَجِدُّ معي، واعلم ما المرضي لديك؛ فانها تعلم وتفهم كل شيء، فتكون لي في افعالي مرشداً فطيناً، وبعزَّها تحفظني، فتغدو اعمالي مقبولة وأحكم لشعبك بالعدل واكون اهلاً لعرش أبي" (حك7:9-12). وواضِح أن هذا الكلام كله لا يناسِب إلا سليمان وحده دون غيره.
وتبرز هنا مشكلة يثيرها المُعترضون بقولهم:
إذا كان سُليمان هو الذي كتب هذا السِّفر، فلماذا لم يتسنّى لعِزرا الذي جمع شتات أسفار التوراه أن يعثر عليه ويضعه في موضِعه ضمن الأسفار التي جمعها؟
والرد على هذا الإعتراض هو
أن كِتابات سليمان فُقِدَ منها الكثير.
فقد ذُكِرَ في سفر الملوك الأول أن الله أعطاه "حِكمة وفهماً كثيراً وحبة قلب كالرمل الذي على شاطئ البحر" (1مل29:4)،
بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة الرحبة.
وقد قيل عن سليمان أيضاً أنه "تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفاً وخمساً.
وتكلَّم عن الأشجار من الأرز الذي في لبنان إلى الزوفا النَّابِت في الحائِط.
وتكلَّم عن البهائم وهن الطير وعن الدبيب وعن السمك.." (1مل32:4، 33)،
فأين كل هذه الأمثال والنشائد والكِتابات؟! إلا إذا كانت قد فُقِدَت.
ويكفينا أن نذكر أن مجامِع عديدة أقرَّت هذا السِّفر ضمن الأسفار الموحى بها.
فإن المجمع التريدنتيني عام 1546
ومجمع القسطنطينيّة عام 381 الذي حضره القديس أوغسطينوس،
وكذا مجمعيّ قرطاجنّة الأول والثاني 397 و419،
وكذا مجمعي الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية أعوام 1671 و1682.
وهم في هذا يعتمدون على وروده ضمن الترجمة السبعينيّة وكذا ضمن قوانين الآباء الرسل (=القانون 85).
هذا، وقد جاء في كتاب "السطروماتيون" للقديس اكليمندس الاسكندري قوله
عن هذا السفر أنه مُعتبر "كِتاباً مُقدَّساً"، كما إستشهد بنصوص هذا السفر الكثير من آباء الكنيسة في الأجيال الأولى للمسيحيّة في مقالاتهم وعظاتهم وكتبهم.
ومن أمثال هؤلاء القديس إكليمندس الرومانى (=في رسالته الأولى إلى كورنثوس - ف67)،
والقديس إكليمندس الإسكندري (=في كتابه المُرَبِّي)، حيث ذكر سِت مرّات في الفصل السادس من الكتاب،
وكذا القديس إيرنياؤس الذي نُشِرَ سفر الحكمة في أيامه،
وكذا أوسابيوس القيصري (=في كتابه تاريخ الكنيسة - الكتاب الخامس - ف26)،
والقديس ديوناسيوس الاسكندرى (=مسألة6، ف9، 10)،
والبابا اثناسيوس الرسولى (=في خطبته ضد الأمم، ف9، 4، 17)، حيث يقول عن كلام السفر أنه "قول الروح القدس"، وأنه "كلام الله"،
وكذا القديس أبيفانيوس في بعض كِتاباته،
بل أن القديس باسيليوس الذي وضع القداس الباسيلي إستشهد به في قداسه، حيث قال "والموت دخل إلى العالم بحسد إبليس" (راجع النص الأصلي في حك24:2).
هذا، ودليل صِدق هذا السفر وصِحَّته تلك الإقتباسات التي إقتبسها منه كُتّاب أسفار العهد الجديد في أسفارهم والتي نورِدها فيما يلي:
الشاهد
الآية
السفر
الشاهد
الآية
2 : 6
فتعالوا نتمتع بالطيبات الحاضرة ونبتدر منافع الوجود ما دمنا في الشبيبة
كورنثوس الأولى
15 : 32
إن كان الأموات لا يقومون فلنأكل ونشرب لأننا غدا نموت
2 : 13
يزعم أن عنده علم الله ويسمي نفسه ابن الله
إنجيل متى
27 : 43
قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده.لأنه قال أنا ابن الله
2 : 15
بل منظره ثقيل علينا لأن سيرته تخالف سيرة الناس وسبله تباين سبلهم.
إنجيل يوحنا
7 : 7
لا يقدر العالم أن يبغضكم ولكنه يبغضني أنا لأني اشهد عليه أن أعماله شريرة.
3 : 7
فهم في وقت افتقادهم يتلألأون
إنجيل متى
13 : 43
حينئذ يضيء الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم.
3 : 8
ويدينون الأمم ويتسلطون على الشعوب ويملك ربهم على الأبد.
كورنثوس الأولى
6 : 2
ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم.
4 : 4
وان أخرجت فروعاً إلى حين فإنها لعدم رسوخها تزعزعها الريح وتقتلعها الزوبعة.
إنجيل متى
7 : 27
فنزل المطر وجاءت الأنهار وهبت الرياح وصدمت ذلك البيت فسقط.وكان سقوطه عظيما
6 : 4
فإن سلطتكم من الرب وقدرتكم من الله العلي.
رسالة رومية
13 : 1
لأنه ليس سلطان إلا من الله والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله.
7 : 26
لأنها ضياء النور الأزلي ومرآة عمل الله التقية وصورة جودته.
العبرانيين
1 : 3
هو بهاء مجده ورسم جوهره
13 : 1 ، 5 ، 7
1 إن جميع الذين لم يعرفوا الله هم حمقى من طبعهم لم يقدروا أن يعلموا الكائن من الخيرات المنظورة ولم يتأملوا المصنوعات حتى يعرفوا صانعها.
5 فانه بعظم جمال المبروءات يبصر فاطرها على طريق المقايسة.
7 إذ هم يبحثون عنه مترددين بين مصنوعاته فيغرهم منظرها لأن المصنوعات ذات جمال.
رسالة رومية
1 : 18 ، 21
18 لان غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم الذين يحجزون الحق بالإثم.
21 لأنهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كاله بل حمقوا في أفكارهم واظلم قلبهم الغبي.
15 :7
إن الخزاف يعني بعجن الطين اللين ويصنع منه كل إناء مما نستخدمه فيصنع من الطين الواحد الآنية المستخدمة في الأعمال الطاهرة والمستخدمة في عكس ذلك وإما تخصيص كل إناء بواحدة من الخدمتين فإنما يرجع على حكم صانع الطين.
رسالة رومية
9 : 21
أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناء للكرامة وآخر للهوان
هذا، ويُقَسِّم علماء الكتاب المقدس سفر الحكمة إلى قسمين:
1- القسم الأول:
ويشمل الأصحاحات التسعة الأولى.
وفيها يمتدِح الكاتِب الحكمة التي تضم كافة الفضائل، ويدعو الناس، ولاسيّما الملوك والقُضاة إلى إتباعها ومُراعاة العدل وعدم الإفتخار بالغِنى والصحة والجمال والمركز،
لأن هذه كلها زائِلة وكظِل يمضي ولا يعود. ويضيف أن عاقِبة الأثَمَة هي الهلاك، أما الصدّيقون الأمناء مع الله فسينالون منه الكرامة والمجد الأبدي. وفي هذا القسم يتحدَّث أكثر من مرة عن البتوليّة وشرفها ويطوِّب الطاهرين المُتمسِّكين بعفافهم.
ولعل أهم ما ورد في هذا القسم
نبوءته عن السيد المسيح إبن الله الذي يقاومه الأشرار ويتربَّصون به.
وعنه يقول مخالفوا الناموس
"فلننظر هل أقواله حق، ولنختبِر كيف تكون عاقِبته.
فإنه إن كان الصدِّيق إبن الله، فهو ينصره وينقذه من أيدي مُقاوميه" (حك17:2، 18).
وفي الإصحاح التاسِع أيضاً يتحدَّث عن المسيح كلمة الله وحكمة الله الذي هو الأقنوم الثاني. فهو يقول موجِّهاً كلامه إلى الله الآب: "يا إله الآباء (بمعنى يا الله الآب)، يا رب الرحمة، يا صانِع الجميع بكلمتك (يقصد الإبن الكلمة)، وفاطِر الإنسان بحِكمتك لكي يسود على الخلائق التي كوَّنتها.. هَبْ لي الحِكمة الجالِسة على عرشك (يقصد المسيح الجالِس عن يمين الله كو1:3).
إن معك الحِكمة العلمية بأعمالك والتي كانت حاضِرة إذ صنعت العالم (يقصد المسيح الكلمة الأزلي الموجود منذ البدء)، وهي عارِفة ما المرضي في عينيك والمستقيم في وصاياك، فإرسلها من السموات المقدسّة" (حك1:9، 2، 4، 9، 10).
2- القسم الثاني:
ويتناول الإصحاحات العشرة الباقية.
وفيها يتحدَّث الكاتِب عن أهمية الحكمه التي شدَّدَت آدم ليتسلَّط في الأرض، والتي حفظت نوحاً من الطَّوَفان، ولوطاً من النار والكبريت، ويعقوب من بَطْش أخيه، والتي أوصلت يوسف إلى المُلك، والتي حفظت شعب الله في مصر، وعند خروجهم منها.
وضرب بعض الأمثِلة لِمَنْ أهلكتهم الحماقة، ولمَنْ عادوا الله فعاقبهم. وتحدَّث عن حمق مَنْ عبدوا النار والريح والنجوم وعن ظلال مَنْ يصنعون التماثيل للعِبادة دون الله! وخلص إلى أن الله لا يترك شعبه، بل يحفظه مهما تطاوَل عليهم أعدائهم، لأن الله يُعَظِّم شعبه، ولا يهمله بل يؤازره في كل زمان ومكان.